يقينا يبدو العنوان غريبا أو صادما للقارئ, فما علاقة الفعل في اللغة الإنجليزية بالذكورة أو الأنوثة أو الخنوثة؟!
إن “التجنيس” مرتبط بالأسماء, ولكل لغة نظامها ومنطقها الخاص في تجنيس الأسماء، فهو تقسيم اعتباري وليس تبعاً للواقع, ففي اللغة العربية مثلا عمم العرب التذكير والتأنيث على كل الكائنات, سواء كانت كائنات حية أو جمادات أو مشاعر أو معانٍ مجردة
فالشمس والقمر والسحب والريح والكرسي والمائدة والحب والكره, والإقدام والتعاون وغيرها, هي إما ذكر أو أنثى, رغما عن أنها في الواقع ليست كذلك.
خنوثة الفعل في اللغة
وفي الإنجليزية تم تعميم “الحياد”! فباستثناء الإنسان “العاقل” والذي رٌوعي فيه الذكورة والأنوثة, اعتُبر كل باقي الكائنات “محايدة” ليست بالمذكرة ولا بالمؤنثة! حتى الحيوانات* !
فالبقرة مثلا لا يعاد عليها بضمير المؤنث, وإنما ” ويقينا سيعاد على المشاعر والمعنويات بضمير المحايد “it”!! وهنا أوضح أن ما أقصده يخنوثة الفعل ، هو تماهي الحدود بين الفعل في اللغة الإنجليزية والاسم والصفة أيضا، فنعم هناك حدود تفصل بين هذه “المكونات” اللغوية، إلا أنها حدود واهية، غير واضحة وغير حاجزة، ولهذا استُخدم الفعل في اللغة الإنجليزية كفعل وكاسم وكصفة, وكذلك احتاج الفعل إلى فعل!! ليكون جملة فعلية!!
وأوضح فأقول: الفعل في اللغة العربية مثلاً له أوزان محددة يأتي تبعاً لها, وهي مختلفة عن أوزان الأسماء, فمثلاً: أَكَلَ, فعل ماضٍ لا يمكن أن يلتبس مثلا مع الاسم: أَكْل، ونام بالتأكيد هو غير نوم، وشَرِب هي ليست: شُرب ولا شراب. ولنا في مقالاتنا مقال سابق بعنوان “فعل الكينونه والأزمنة المنسية في اللسان العربي” تتمكن من الإطلاع عليه من هنا
وفي الألمانية يتميز الفعل في اللغة في الحالة المصدرية بوجود نهاية ملازمة له, هي جزءٌ منه, وهي: en, n ،ومن ثم فإن هناك ما يميز الفعل في اللغة الألمانية عن الاسم وعن باقي المكونات اللغوية.
قد يقول قائل: ولكن الفعل في اللغة الإنجليزية له ما يميزه وهو”to” فأقول:
هذه غير ملازمة للفعل, فهي ليست جزء منه, وإنما “إضافة معجمية” لا تظهر في الاستخدام في أي جملة مستخدمة, بخلاف النهاية الملازمة في الألمانية المذكورة بأعلى مثلا
ولهذا وجدنا شكلين للمصدر في اللغة الإنجليزية:
المصدر دون “to” يدعى bare infinitive (المصدر الصريح) أو الشكل الأساسي للفعل.
المصدر مع “to” يدعى full infinitive (المصدر الكامل) أو to-infinitive
ولهذا نجد الكثير من الأفعال والتي تُستخدم كفعل وكإسم وكصفة, فإذا أخذنا هذه الأفعال الأربعة كمثال “run, look, feel, work”, وجدنا أنها تستخدم كأسماء بنفس الصياغة
We go for/do a three-mile run every evening after work
.؟Can I have a look at your dictionary
The poetic works of Tagore
She loved the feel of silk against her skin
والفعل “open”, مثلا يأتي بمعنى: يفتح, افتح, مفتوح! وغيرها كثير
ولن نتحدث هنا عن الأوزان العشرة للفعل في اللغة العربية, مثل: فعل وأفعل, وتفاعل, وفعّل .. الخ, والتي دل كل منها: على شكل معين ل “حدوث” الفعل, بينما في الإنجليزية كان الفعل جامداً –كالاسم-, ف: شق, وانشق هما “split” “move” وحرّك وتحرك ، ولا يقتصر التماهي هذا بين الفعل والاسم والصفة على الفعل في المصدر/ الشكل الأساس, وإنما يتعداه إلى الشكلين الآخرين للفعل في اللغة الإنجليزية، سواء الفعل مضافا إليه “ing” أو التصريف الثالث.
(ونذكر هنا أن تصريف الماضي الثاني للفعل في الإنجليزية هو نفسه التصريف الثالث, -بينما هناك في الألمانية تصريف ثاني وآخر ثالث-, ولا يستقل هذا التصريف فعليا إلا مع الأفعال الشاذة المغايرة, فيظهر كتصريف مستقل متميز عن التصريف الثالث)
ونذكر أمثلة تظهر فيها تركيبة المضارع المستمر كأسماء:
The building is there
.Anna loves dancing.
ففي هذين المثالين استخدم كاسم, كما يأتي كصفة:
That movie had a surprising twist
I read an inspiring Novel
والتصريف الثالث للفعل هو في الأساس نعت, وتحديد: اسم المفعول, ولهذا لن نذكر له أمثلة, فكله متماه, وهو احتاج إلى فعل مساعد ليُبنى بهما سويا صيغة الماضي أو صيغة المبني للمجهول!
تصريف الفعل
قد يقول قائل: ولكن الفعل يُصرف, والأسماء لا تُصرف! فأقول: أنا لا أنفي بتاتا وجود ما يميز الفعل, ولكني أقول أن هذه المميزات ضعيفة واهية, فإذا نظرنا مثلاً في مسألة تصريف الفعل وجدنا أن الفعل في المضارع البسيط لا يكاد يُصرف, فهو كما هو, وفي حالة واحدة يضاف إليه حرف: “s, es”, وفي حالة الأمر لا يختلف شكل الفعل, فهو كالمضارع, وهو يُستخدم بشكله الثابت هذا لأمر المفرد أو الجمع سواء, ومن ثم فالفعل أقرب إلى الجمود وهو من سمات الاسمية!!
ونذكر بأن الفعل في اللغة الإنجليزية يحتاج إلى “فعل مساعد” في كثير من الأحيان!! فللتأكيد يضاف الفعل “do” فيقال مثلا: I do love you. (وغني عن الذكر أن فعل واسم الحب في الإنجليزية هما نفس الشيء!), كما يستخدم نفس الفعل بتصريفاته لبناء السؤال.
ولبناء صيغة المضارع المستمر احتيج إلى “فعل مساعد”, مع لاحقة لتكوين هذه الزمن:to be + verb + ing(وهذه الصيغة هي قريبة من الصيغة الحالية أو صيغة اسم الفاعل في اللغة العربية)
في نهاية المطاف لا يعني هذا أن الإنجليزية خلت من الأفعال صريحة الفعلية, والمتميزة عن غيرها, فلقد وجدت هذه الأفعال, ولكنها وبكل عجب كانت الأفعال المساعدة:
فعل الكينونة وفعل التملك (العندية) وفعل الفعل :“:to be: am, is, are/ to have/ has/ to do/ had,”
والتي كانت واضحة الدلالة في الإشارة إلى الفعلية, والتي استعان بها الإنجليز في بناء الجمل الفعلية في مختلف الأزمنة.
وكذلك كانت الأفعال الماضية شاذة التصريف في التصريف الثاني والمختلفة عن التصريف الثالث, مثل: “went, came, broke, chose”وذلك لأنها أصلا شذت عن النسق, ومن ثم ظهرت فقط كأفعال!!!
وهنا ننبه إلى أن اللغة العربية لم تخل من مكون خنثى هي الأخرى, ولكنه كان مكونا استثنائيا, وهو “اسم الفعل”, وهو ما جمع سمات الاسم والفعل, حيث دل على معنى الفعل وعمل عمله إلا أنه كان مبنياً ولم يقبل علامات الفعل, مثل: سبحان, صه, حذار, رويدك! سرعان وشتان.
وعامة الأفعال الإنجليزية هي قريبة جدا من اسم الفعل عندنا في العربية, فهي سائرة كأفعال وكذلك كأسماء.
وأختم المقال بما بدأت به:
إذا كان الجنس الذي عم عند الإنجليز في الأسماء هو المحايد وليس المذكر ولا المؤنث, ذلك الجنس مطموس الملامح, فلم يكن عجيبا أن تُطمس كذلك ملامح الفعل المميزة له, فيكون كذلك متماهيا مع غيره من المكونات اللغوية.
كانت الألمانية أقرب إلى العربية, فلم يقتصر التذكير والتأنيث على الكائنات الحية, وإنما تعداه –بلا منطق واضح- إلى الكائنات الأخرى, فالكرسي مذكر والباب مؤنث! والكره مذكر والحب مؤنث!! إلا أنها وبكل عجب أضافت جنسا ثالثا وهو الجنس “المحايد”, والذي لا يُعلم على أي أساس تم فصله عن المذكر والمؤنث!