جاءني سؤال حول نصر حامد أبو زيد يقول:
رأيكم أستاذ حول نصر حامد أبو زيد رحمه الله وحول مشروعه ؟ بشيء من التفصيل لو تكرّمت.
فقلت:بما أنك طلبت مني أن أرد بشيء من التفصيل فاسمح لي أن أرد مقتبساً بعض الكتابات عنه من الانترنت, تعرف به ثم بعد ذلك أعطيك رأيي الشخصي, فأقول:
عن نصر حامد أبو زيد
نصر حامد أبو زيد قامة علمية ولا شك, وله العديد من الكتب, أهمها –والتي أثارت الكثير من الضجيج- هي تلك الكتب المتعلقة بفهم وتفسير/ تأويل النص الديني, مثل: الاتجاه العقلي في التفسير (دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة) وكانت رسالته للماجستير فلسفة التأويل (دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي)وكانت رسالته للدكتوراه، في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية مفهوم النص دراسة في علوم القرآن اشكاليات القراءة واليات التأويل (مجموعة دراساته المنشورة في مطبوعات متفرقة)سلطة النص.
وإذا ذُكر تقفز إلى الأذهان قضية تكفيره التي انطلقتْ شرارتها يوم 9-5-1992 حينما تقدم بطلب الترقية من أستاذ مساعد إلى درجة أستاذ اعتماداً على كتابيه المُهِّمين ( الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية ) و ( نقد الخطاب الديني ) والتي تقدم بها الدكتور: عبد الصبور شاهين.
وبالفعل حُكم بتكفير أبو زيد, وقد استند تكفير اللجنة العلمية لإنتاج نصر حامد أبو زيد على المبررات الآتية :
- 1. العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة، وتفضيل أهل الرأي على أهل الحديث، ونقد الشافعي الذي أعطى الأولوية للنص وجعل القياس مقيدا به، فيما يعرف بالقياس بالنص
- 2. نعت الصحابة والأئمة بما لا يليق بهم.
- 3. إنكار المصدر الإلهي للقرآن والقول بتاريخيته.
- 4. نفي كون الله خالق كل شيء.
- 5. الدفاع عن الماركسية والعلمانية
- 6. الدفاع عن سلمان رشدي وروايته “آيات شيطانية “.
حول صحة كٌفر نصر حامد أبو زيد
والسؤال هنا هل “كفر” نصر حامد أبو زيد فعلاً؟
لا, هو لم يكفر وكان يصر دوماً على أنه مسلم يؤمن بالله! وهذه نقطة محورية في المسألة! فأنا أرى أن الكافر هو من يقول أنه ترك الدين! وهو يصر على أنه مؤمن!! لقد دافع أبو زيد عن نفسه من خلال تحديده لثوابت الإيمان الديني المتمثلة في العقائد والعبادات، كالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت…وتأكيده المستمر أنه مسلم ومؤمن. وهذه نقطة مهمة جداً في القضية!
فمهما كان للإنسان من آراء في فهم الدين, فطالما أنه يقول أنه مؤمن فلا ينبغي أن يُكفر, فالكفر مسألة يعلنها الإنسان بنفسه!
سيقال: حتى لو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة! فأقول: لا يوجد إنسان ينكر معلوماً من الدين بالضرورة!! هناك إنسان يفهم المعلوم من الدين بالضرورة فهما مغايراً, وينبغي أن يُرد على هذا الفهم بأدلة تبين تهافتها!
يعني مثلاً هناك آراء حديثة تقول بأن الزنى ليس بالمعنى المشهور له! وهم يقدمون له تأويلاً غريبا –أرفضه تماما- ولكنهم لم يقولوا مثلاً لا يوجد شيء اسمه زنا أو أن الزنى لا عقوبة له!!! ومن يقول أن هذا يفتح باباً للتلاعب بالدين, أقول: ومتى أفلح الحجر في الحفاظ!!
الحجة يُرد عليها بالحجة, وتلك الآراء الغريبة لا تحقق انتشاراً, ولو حققت انتشاراً فهذا يعني أنها أكثر اقناعاً من تلك السائدة! وهذا يعني أن ما ساد لم يسد إلا لكونه موروثا!!
ونعود لنصر حامد أبو زيد فنقول: نصر حامد أبوزيد عايش فترة حدث فيها اجتذاب للنص الديني إلى وجهات عدة, تبعاً للواقع والسلطة، فبعد هزيمة 67 “كان واضحاً أن القراءات التراثية غلبتها الايديولوجيا بدرجات متفاوتة، حتى صار النص الديني ساحة عراك للاجتماعي والسياسي والفكري، يهدف المتصارعون من خلال تأويله إلى إعطاء «ايديولوجيتهم» مشروعية عليا، دينية إلهية.
وما كشفت عنه البدايات – في هذا الخطاب – من نتائج في دراسة التراث، كان يتبدى عياناً في الواقع الاجتماعي السياسي الفكري في مرحلة السبعينات، مرحلة التحول من «النص» الاشتراكي القومي التقدمي إلى «النص» الاقليمي الانفتاحي المتجه نحو قبلة «الغرب».
وكما حاول النص السابق أن يضفي على نفسه مشروعية عليا بقراءة الاسلام قراءة «اشتراكية»، حاول النص الثاني أن يقدم قراءة مغايرة للاسلام ولنصوصه. وتواكب مع ذلك، وتزامن معه، بداية الانتقال من علاقة «الصراع» مع، الصهيونية العالمية إلى علاقة «المصالحة»
وكان لابد لتبرير هذا التحول من إيجاد سند له في النصوص الدينية كذلك.” اهـفنصر رأى تسخيراً للنص واستغلالاً له, ناهيك عن أنه رأى أن الأفهام التراثية التي ارتبطت بالنص عبر عصور التاريخ الإسلامي أدت إلى تأزم الوضع في المجتمعات الإسلامي, ومن ثم حاول فك الارتباط بين فهم النص وبين النص! بين الدين والخطاب الديني “وهو يميز تمييزا واضحا بين الدين والخطاب الديني المجسد للسلطة التي يلحقها الإنسان بالنص من الخارج ، بما يتلاءم مع رؤيته إلى المجتمع والكون.
تحديد ابو زيد لأليات الخطاب الديني
وهكذا يتهم أبو زيد عبد الصبور شاهين بالمغالطة وتزييف المفاهيم، لأنه ليس هناك دعوة للتحرر من النصوص، بل من سلطة النصوص، وهي السلطة التي أضفاها الشافعي على الفكر الديني.
لقد حدد أبو زيد آليات الخطاب الديني فيما يلي :
- 1. التوحيد بين الفكر والدين وبين التراث والدين، مما يجعل كلاًّ من الفكر والتراث ديانتين.
- 2. تفسير الظواهر كلها بردها جميعا إلى مبدأ أو علة أولى فيؤدي ذلك إلى تغييب التفسيرات العلمية.
- 3. الاعتماد على سلطة السلف، وسلطة النصوص.
- 4. إطلاقية الأحكام، وغياب النظرة النسبية إلى الحقيقية.
- 5. إهمال البعد التاريخي لتشكل الحقائق.”
فإن أبو زيد يفرق “بين خطاب يسعى لتغيير الوعي بالمنطق والبرهان والحجة واساليب الاقناع المعرفي وبين خطاب يسعى لتغيير الواقع بالقوة والعنف.
كما يفرق بين «العقل الغيبي» والعقل الديني أن الأول يجد تفسيراً لكل شيء من الإيمان – بناءً على ثنائية الإيمان والكفر – في حين يسعى الثاني للكشف عن الاسباب المباشرة للظواهر دون أن يتخلى عن «الإيمان».
اختصاراً فإن أبو زيد قام بنقد الأفكار المقدمة في علوم القرآن, وحاول تطبيق منهج الهرمينوطيقيا على القرآن, وركز على مسألة تاريخية النص, من أنه يجب مراعاة الظروف التاريخية التي نزل فيها القرآن عند فهم النص.
وبشكل مبسط فإن تساؤلاته التي أثارت الإشكاليات, كانت مثل: “هل انحصرت مسؤولية النبي في إيصال الرسالة فقط أم أنه اضطلع بدور ما في صياغة كلمات الرسالة أيضاً؟
كل هذه الأسئلة لا بد من طرحها إذا أردنا أن نوضح لأنفسنا إذا ما إذا كان هناك جانب بشري في الوحي والتنزيل، وماذا يعني ذلك بالنسبة للعقيدة الإسلامية؟! ……
كل ما أعنيه هو أننا – عند تفسيرنا للقرآن – لا يمكن أن نهمل دور النبي أو الظروف التاريخية والثقافية أو السياق الذي نزل فيه الوحي القرآني.
عندما نقول إن الله – تاريخاً – تحدث عبر القرآن فلا يمكن ألا نأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي والسياق التاريخي للجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي. إنني أرى أن إجراء النقاش حول البعد التاريخي للقرآن ضرورة مُلّحة، فهذا هو الطريق الوحيد الذي يمنحنا فرصة لكي نواجه الهياكل السلطوية مواجهة فعالة، سواء كانت هياكل سلطوية سياسية أو دينية، ولكي ندفع بحقوق الإنسان إلى الأمام” اهـو لأنه يفهم النص القرآني من خلال ملابساته التاريخية فإنه لا يرى مثلاً حرجاً في إلغاء حد السرقة لأن هذا الحد كانت له ملابساته التاريخية وظروفه التي كانت منسجماً معها ولم يعد الآن!
اتفاقي واختلافي مع نصر حامد أبو زيد
في الختام أقول:
أنا –وأنا ظاهري – أتفق مع نصر حامد أبو زيد في نقاط وأخالفه في أخرى, فأتفق معه مثلا في أهمية وضرورة التفريق بين النص الديني والخطاب الديني, وبين النص وآليات وقواعد فهم النص التي أصبحت مقدسة مثل النص نفسه فلا يمكن فهم النص إلا من خلالها! وأدعو مثله إلى مراجعة هذه القواعد وتقديم قواعد جديدة لفهم النص. كما أوافق مثله كذلك في القول بتاريخية بعض الآيات, وأننا لم نعد مطالبين بالعمل بها!
وأن الأحكام المستخرجة والمستنبطة منها هي تقييد وتضييق على الناس, وأوافقه في أهمية مراعاة الملابسات التاريخية لنزول النص, وأهمية القيام بنقد كبير ل: علوم القرآن!
أخالفه تمام المخالفة في أن يكون للنبي أي دور في صياغة كلمات الوحي, وأقول أنن النبي كان مستقبلاً بدرجة مائة بالمائة وكان عليه البلاغ!
أخالفه في القول بتاريخية النص, فالنص فيه الكثير المطلق, حتى التاريخي منه له استخدامات ستظل مطلقة! وذلك لأني أخالفه في نظرته إلى القرآن والتي لم تختلف كثيراً عن السابقين والذين تعاملوا معه باعتباره “مدونة قوانين وأحكام”
ولهذا فإنه –رحمه الله- كان يرى أن إصلاح منظومة الفقه الإسلامي هو الخطوة الرئيسة في تحرير المسلمين! وأنا أوافقه في هذا ولكن أرى أن تفعيل المهمل من النص القرآني -وهو من الكثرة بمكان- هو التحدي الأكبر.
أوافقه في أمور وأخالفه في أخرى, ولكن لا يمكنني في النهاية إلا أن أقول: أنه كان مفكراً سابقاً لعصره, قدم أطروحات لم يستوعبها أكثر من عايشها! وأنه كان مؤمنا صادقاً خلوقاً, عاش ومات وهو يدفع عن “الإسلام والمسلمين”! فحتى وهو في منفاه ظل يدافع, ولم يكن من أصحاب الثاراث الشخصية! رحم الله نصر حامد أبو زيد وتقبل منه صالح عمله!